مفهوم عقوق الوالدين لغة واصطلاحاً:
لغة : عَقَّ،
يَعُقُّ عقوقاً: العقُّ: الشقُّ، يقال: عقَّ ثوبه، كما يقال: شقَّ ثوبه، ومنه
يقال: عقَّ الولدُ أباه، [وعقَّ أمه]، من باب قَعَد: إذا عصاه وترك الإحسان إليه,
فهو عاقٌّ، والجمع: عققةٌ ([1]).
ويقال: عقَّ والده يعُقُّ، عقوقاً ومعقة على وزن
مشقة، وجمع عاق: عققة، ككافر وكفرة.
قال ابن الأثير رحمه الله:
يقال: عق والده يعقُّه عقوقاً، فهو عاقٌّ: إذا آذاه وعصاه، وخرج عليه، وهو ضِدُّ
البِرِّ به، وأصله من العقِّ: الشقِّ والقطع ([2]).
ويقال: عق أباه، وعقوقاً، ومعقةً: استخف به وعصاه
وترك الإحسان إليه([3]).
مفهوم عقوق الوالدين اصطلاحاً: هو إغضابهما بترك
الإحسان إليهما([4]).
وقيل: عقوق الوالدين: كل فعل يتأذَّى به الوالدان
تأذياً ليس بالهيِّن، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة([5]).
التعريف الإجرائي لعقوق الوالدين :
إن عقوق الوالدين يعني عصيانهم وعدم طاعتهما طاعة
كاملة في غير معصية ،
مخالفتهما ، وفعل ما يغضبهم من قول وفعل يؤذيهم ولا يرضيهم ، و رفع الصوت
فوق
أصواتهما ، والتذمر من قضاء حوائجهما ، وتلبية
رغباتهما وسوء صحبتهم، وتفقد
أحوالهما ، وترك الإحسان إلى أصدقائهما وأقاربهما
، وترك الكثير من صور البر
والإحسان لهم,حتى بعد مماتهم من التقصير في الدعاء
والصدقة عنهم والعمل بوصيتهم.
الدلالة من القرآن والسنة على حق الوالدين: (1)
أولا : من ا لقرآ ن الكريم
بر
الوالدين من أهم المهمات، وأعظم ا لقر با ت، وأجلِّ الطاعات، وأوجب الواجبات،
وعقوقهما من أكبر الكبائر، وأقبح الجرائم، وأبشع المهلكات؛ للأدلة من الكتاب
والسنة الصحيحة الصريحة على النحو الآتي : أعظم الناس منَّة
وأكبرهم نعمةً على
المرء والداه فهما
اللذان تسببا في وجوده
واعتنيا به أتم
العناية منذ أن
كان حملاً إلى
أن صار رجلاً، ولهذا جعل الله مرتبة
حق الوالدين مرتبة
عظيمة عالية حيث
جعل حقهما بعد
حقه المتضمن لحقه تعالى
وحق رسوله صلى الله عليه وسلم ،، وبلغ
من عناية الله
بحقوق الوالدين أن قرن برهما والإحسان إليهما بعبادته وحده لا
شريك له، التي
هي أعظم وأوجب مهمة
على الإنسان في
هذه الدنيا، وأوجب مهمة
على الإنسان في
هذه الدنيا، فقد
قال تعالى: )وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِْبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً22 وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ
الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيراً23)سورة
الإسراء.
نقل ابن
الجوزي عن الأنباري قوله: ))إن
هذا القضاء ليس
من باب الحكم، إنما
هو من باب
الأمر والفرض)(1) بر الوالدين، للحافظ ابن
الجوزي رحمه الله
وقوله تعالى: )وَقَضَى(
أي:
أمر وفرض أن
تعبدوه وحده لا
شريك له وأن تحسنوا إلى والديكم،
والإحسان هو
غاية البر والإكرام؛ لأن إحسان
الأبوين قد بلغ الغاية العظمى فوجب
أن يكون إحسان
الولد إليهما كذلك.
. وأرشد الله تعالى إلى تأكد
الإحسان إليهما في
كبرهما عندما يعجزان وتضعف قواهما وهو أشد تأكداً ووجوباً على
الولد.
كما أرشد الحق
سبحانه وتعالى إلى
أدنى درجات العقوق وهو
قول
)أف(
التي تشير إلى
الاستياء أو التضجر من الوالدين أو
من بعض تصرفاتهم وأحوالهم ، فهو
حرام وما فوقه
أعظم حرمة وأشد عقوقاً.
قال ابن
كثير:
لا تسمعهما قولاً
سيئاً حتى ولا
التأ فيف الذي هو
أدنى مراتب القول السيء.
وقال بعض
أهل اللغة: الأف
هو لكل ما
يستقل أو هو
أقل القليل. وفي الإشارة
إلى القليل تأكيد
على أن ما
فوقه من العقوق أشد حرمة
وأعظم جرماً.
وقوله تعالى ) وَلا
تَنْهَرْهُمَا
( أي:
لا تكلمهما ضجراً
صائحاً في وجههما
قال ابن
كثير:
أي لا يصدر
منك إليهما فعل
قبيح، كما قال
عطاء بن أبي رباح:
لا تنفض يدك
عليهما.
أما القول
الكريم فهو القول
اللطيف اللين وأحسن
ما تجده من
القول.
قال ابن
كثير:
أي ليناً طيباً
حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم . وقوله
تعالى:
)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ
الرَّحْمَةِ)(الإسراء (24 . تعبير
في غاية اللطافة والرقة والبيان،
وهو تمام
لين الولد لهم
في القول والعمل والمعاملة وتمام
رحمته إياهم.
قال ابن كثير: أي
تواضع لهما بفعلك. لهذا
قال تعالى بعدها: ) وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً(أي: أدع
لهما بالرحمة لما
لهم من الفضل
في الإيلا د والتربية والإنفاق والإحسان في
الصغر بل والكبر. قال ابن كثير: أي
قل ذلك في كبرهما وعند وفاتهما.
وقد قرن
الله حقَّ الوالدين بحقه في
آيات أخرى، كما
قال عزَّ وجلَّ :
)وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)النساء(
36 وقال تعالى
عند ذكر الوصايا العشرة في سورة
الأنعام :
: )قُلْ
تَعَالَوْا أَتْلُ مَا
حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ
إحْسَاناً((الأنعام
151 (
، قال
ابن كثير: أي
وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحساناً، أي
أن تحسنوا إليهم وقد
أوصى الله تعالى
بالوالدين خير وصية،
فكما أنه قرن
حق الوالدين بحقه في
ثلاث آيات أوردناها فيما سبق فإنه تعالى قد
أوصى بهما في
ثلاث آيات أخرى كذلك،
فقال تعالى: )وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي
عَامَيْنِ أَنْ
اشْكُرْ ليِ
وَلِوَالِدَيكْ إِلَيَّ الْمَصِيرُ((لقمان:41)
. وقال: )وَوَصَّيْنَا الإِنسْانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لتِشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنبَّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ((العنكبوت
.8)
وقال تعالى: )وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً(الأحقاف 15
قال ابن كثير
رحمه الله: أمر
تعالى بالإحسان إلى
الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده،
فإن الوالدين هما
السبب في وجود
الإنسان ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق، ومع هذه
الوصية بالرأفة والإحسان والرحمة بالوالدين فلا
تطعهما في الشرك
وإن حرصا عليك
أن تتابعهما على دينهما إذا كانا
مشركين.
ويوم القيامة تحشر
مع الصالحين لا في
زمرة والديك؛ لأن
المرء يحشر يوم
القيامة مع من
أحب دينيا.
(1)من معالم الهدي القرآني في
بر الوالدين ,تأليف الدكتور سليمان الصادق البيرة .
ثانياً:
من السنة المطهرة:
عن عبد الله بن مسعود t، قال: قلت:
يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟! قال: «الصلاة على مواقيتها» قلت: وماذا
يا نبي الله؟ قال: «بر الوالدين» قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: «الجهاد في سبيل
الله» [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].
قال رسول الله r: «رضا الله
في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد» [رواه الترمذي، وابن حبان، والحاكم/ صحيح
الترغيب للألباني: 2501].
قال رسول الله r: «من سره أن
يمد له في عمره، ويزاد في رزقه؛ فليبر والديه، وليصل رحمه» [رواه أحمد/ صحيح
الترغيب: 2488].
قال رسول الله r: «رغم أنفه،
ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه»! قيل: من يا رسول الله؟! قال: «من أدرك والديه عند
الكبر؛ أحدهما، أو كليهما؛ ثم لم يدخل الجنة»! [رواه مسلم].
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ:
" الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ،
وَشَهَادَةُ الزُّورِ " (1).صحيح البخاري » كِتَاب الْحَجِّ »
أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ/ الحديث رقم 2473
وعن عبدالله بن مسعود
أنه سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن
أحب العمل إلى
الله عزَّ وجلَّ؟ قال: ))الصلاة على وقتها(( قلت: ثم؟
قال:
))بر الوالدين((، قلت: ثم
أي؟ قال: ))الجهاد في سبيل(( (
1)البخاري 10/336
من مظاهر عقوق الوالدين (1)
عقوق
الوالدين يأخذ مظاهر عديدة، وصورا شتى، منها ما يلي :
1 - إبكاء
الوالدين وتحزينهما سواء بالقول أو الفعل، أو بالتسبب في ذلك.
2 -
نهرهما وزجرهما وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول. قال - تعالى -:
(ولاتنهرهما وقل لهما قول كريما) [ الإسراء: 23 ].
3 – التأ فف
والتضجر من أوامرهما وهذا مما أدبنا الله بتركه؛ فكم من الناس من إذا أمر عليه
والداه - صدر كلامه بكلمة " أف " ولو كان سيطيعهما، قال - تعالى -: (فلا
تقل لهما أف( [
الإسراء: 23 ].
4 - العبوس وتقطيب الجبين أمامهما فبعض الناس تجده في المجالس
بشوشا مبتسما، حسن الخلق، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه؛ فإذا ما دخل
المنزل وجلس بحضرة الوالدين تغيرت تصرفاته.
من الناس من يصل الأبعدين
|
ويشقى به الأقرب الأقربُ
|
5 - النظر إلى الوالدين شزرا وذلك برمقهما بحنق والنظر إليهما
بازدراء واحتقار.
6 - الأمر عليهما كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل
الثياب، أو إعداد الطعام؛ فهذا العمل لا يليق خصوصا إذا كانت الأم عاجزة أو كبيرة
أو مريضة.
أما إذا قامت الأم بذلك بطوعها وبرغبة منها وهي نشطة غير
عاجزة - فلا بأس في ذلك، مع مراعاة شكرها والدعاء لها.
7 - انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة وهذا العمل فيه
محذوران، أحدهما: عيب الطعام، وهذا لا يجوز؛ { فرسول الله r ما عاب
طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإلا تركه. } ([7])
والثاني: أن فيه قلة أدب مع الأم وتكديرا عليها.
8 - ترك مساعدتهما في عمل المنزل: سواء في الترتيب
والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك.
9 - الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحد ثا: وذلك بترك الإصغاء
إليهما، أو المبادرة إلى مقاطعتهما أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والاشتداد في
الخصومة والملاحاة معهما,
10 - قلة الاعتداد برأيهما: فبعض الناس لا يستشير والديه
ولا يستأذنهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه أو طلاقه، أو خروجه من المنزل
والسكنى خارجه، أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو نحو ذلك.
11 - ترك الاستئذان حال الدخول عليهما: وهذا مما ينافي الأدب
معهما، فربما كانا أو أحدهما في حالة لا يرضى أن يراه أحد عليها.
12 - إثارة المشكلات أمامهما: سواء مع الإخوان أو
الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم.
فبعض الناس لا يطيب له معاتبة أحد من أهل البيت على خطأ
ما إلا أمام والديه، ولا شك أن هذا الصنيع مما يقلقهما ويقض مضجعهما.
13 - ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معا يبهما:
فبعض الناس إذا أخفق في عمل ما - كأن يخفق في دراسته مثلا - ألقى باللائمة والتبعة
على والديه، ويبدأ يسوغ إخفاقه ويلتمس المعاذير لنفسه بأن والديه أهملاه ولم
يربياه كما ينبغي، فأفسدا عليه حياته وحطما مستقبله، إلى غير ذلك من ألوان القدح
والعيب.
14 - شتمهما ولعنهما: إما مباشرة أو بالتسبب في ذلك؛ كأن
يشتم الابن أبا أحد من الناس أو أمه، فيرد عليه بشتم أبيه وأمه.
فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله r قال: { من الكبائر شتم الرجل
والديه. قيل: وهل يشتم الرجل والديه ؟ ! قال: نعم ! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب
أمه فيسب أمه } ([8]) ([9])
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق